الـسـحـــــــر عـنـــد أهـــــل بـابــل
من الأمم القديمة التي مارست السحر وضلّت به أهل ( بابل ) قال تعالى :
{ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوت }
وبابل التي يشير إليها النصّ الكريم كانت مدينة بالعراق على ضفتي الفرات , ولا تزال آثارها قائمة إلى اليوم , وكانت أعظم مدائن العالم في وقتها , وكانت واسعة الأرجاء كثيرة العلوم والفنون ومن هذه العلوم والفنون علم السحر والفلك , وقد وصفها ( هيرودتس ) شيخ المؤرخين في عصره وصفا بديعا يدلّ على عظمها ورقيها وكان أهل بابل هم الكلدانيين من النبط والسريانيين .. وقد اشتهر انتشار السحر عند أهل بابل واستفاض العلم به مع نص القرآن عليه , يقول ابن خلدون : " وأما وجود السحر في أهل بابل وهم الكلدانيون من النبط والسريانيون فكثير ونطق به القرآن وجاءت به الأخبار , وكان للسحر في بابل ومصر أزمان بعثة موسى عليه السلام أسواق نافقة " وتحدث صاحب دائرة معارف القرن العشرين عن نبوغ أهل بابل في السحر فقال : " يعتبر أهل بابل وهم الكلدانيون من النبط والسريانيون أنبغ الأمم في السحر والنجامة , فكانت صناعة مناجاة الأرواح واستخراجهم من الأجساد من الصنائع التي لها المقام الأول لديـهم ..
ويذكر أبو بكر الرازي المعروف بالجصّاص : " أنَّ أهل بابل كانوا صائبين يعبدون الكواكب السبعة , ويسمونها آلهة ويعتقدون أن حوادث العالم كلها من أفعالها , وهم معطلة لا يعترفون بالصانع الواحد المبدع للكواكب وجميع أجرام العالم , وهم الذين بعث الله تعالى إليهم إبراهيم خليله صلوات الله عليه , فدعاهم إلى الله تعالى , وحاجَّهم بالحجاج الذي بهرهم به , وأقام عليهم به الحجة من حيث لم يمكنهم دفعه , ثمَّ ألقوه في النار , فجعلها الله تعالى بردا وسلاما ثمَّ أمره الله تعالى بالهجرة إلى الشام " ..ويذكر الجصَّاص أيضا : " أن أهل بابل كانوا يعبدون أوثانا قد عملوها على أسماء الكواكب السبعة , وجعلوا لكل واحد منها هيكلا فيه صنمه , ويتقربون إليه بضروب من الفعال على حسب اعتقاداتهم من موافقة ذلك للكوكب الذي يطلبون منه بزعمهم فعل خير أو شرّ , فمن أراد شيئا من الخير والصلاح بزعمه يتقرب إليه بما يوافق المشتري من الدخن والرقى والعقد والنفث عليها ومن طلب شيئا من الشر والحرب والموت والبوار لغيره تقرب بزعمه إلى زحل , بما يوافقه من ذلك , ومن أراد البرق والحرق والطاعون تقرب بزعمه إلى المريخ بما يوافقه من ذلك من ذبح بعض الحيـوانات " ويذكر أيضا : أن جميع تلك الرقى بالنبطية تشتمل على تعظيم تلك الكواكب إلى ما يريدون من خير أو شر ومحبة وبغض فيعطيهم ما شاؤوا من ذلك فيزعمون أنهم عند ذلك يفعلون ما شاؤوا في غيرهم من غير مماسّة ولا ملامسة سوى ما قدموه من القربات للكوكب الذي طلبوا منه ".ومن العامة من يزعم أنه يقلب الإنسان حمارا أو كلبا , ثم إذا شاء أعاده , ويركب البيضة والمكنسة والخابية , ويطير في الهواء فيمضي من العراق إلى الهند , وإلى ما شاء من البلدان ثم يرجع من ليلته .. وكانت عوامهم تعتقد ذلك لأنهم كانوا يعبدون الكواكب , وكل ما دعا إلى تعظيمها اعتقدوه , وكانت السحرة تحتال في خلال ذلك بحيل تموّه بها على العامة إلى اعتقاد صحته بأن يزعم أن ذلك لا ينفذ ولا ينتفع به أحد , ولا يبلغ ما يريد إلا من اعتقد صحة قولهم وتصديقهم فيما يقولون .وكان لكهنة الكلدانيين وسحرتهم اعتقادات كفرية شركية في تأثير الكواكب والنجوم على حياة البشر , وينسبون إليها أمورا كثيرة منها أن ظهور كوكب المشتري في الليالي القمرية يبشر النساء الحاملات بالمواليد الذكور , وظهور عطارد دليل على زيادة المعاملات التجارية وتحسين الأحوال الاقتصادية للبلاد وعلو كعب العلم والأدب والمشتغلين به وظهور زحل يدل على الخلافات العائلية وتفشي الإجرام بالطرق السرية , أما ظهور المريخ فمعناه عزل الملوك أو وفاتهم وتفشي المجاعات والأمراض أو اندلاع الحروب , وظهور الزهرة يدل على رواج سوق الزواج خصوصا للعانسات .. وكان السحرة الكلدانيون يعولون في أعمالهم السحرية على حركات هذه الكواكب وأوقاتها وتقابلها وابتعادها وكل ما يتصل بها , وذلك لاعتقادهم الراسخ بتأثيرها على حياة الآدميين .. وكل هذا من الكفر والضلال الذي أضل به شياطين الإنس والجن العباد .. وقد اكتشف الباحثون في آثار الأمم الغابرة كثيرا من الآثار التي خلفتها مدينة بابل , وتدل الكتابات والنقوش التي خلفها البابليون والآشوريون , وكذلك اللوحات المكتوبة بخط المسمار على أن فنون السحر كان لها النصيب الأكبر من هذه الكتابات والنقوش .. واستدلوا بتلك الآثار على أن الخوف من الجن والشياطين كان الظاهرة الأساسية في ديانة البابليين والآشوريين , وأن الحياة اليومية عند هذه الأقوام كانت متأثرة بالسحر .. وكانت مدينة ( أور ) القديمة إحدى المراكز القديمة للثقافة السومرية موطنا كبيرا لفنون السحر وكانت المؤلفات السومرية القديمة تعجُّ بالموضوعات السحرية كالترانيم والرقى التعاويذ .. وقد حفظ ( آشور بانيبال ) ملك آشور من عام ( 668 إلى 626 قبل الميلاد ) في مكتبته كثيرا من النصوص الدينية والسحرية , وقد جمع هذه النصوص من المعابد المختلفة التي كانت منتشرة في المدن القديمة , وكان أغلبها مكتوبا باللغة السومرية ..وقد قسم الباحثون في مؤلفات البابليين ونصوصهم السحرية تلك المؤلفات والنصوص إلى ثلاثة مجاميع رئيسية : الأولى : النصوص التنجيمية , وفيها تذكر الكواكب على أنها آلهة تؤثر في حياة الناس وفي أفعالهم ومصائرهم ..
الثانية : اللوحات الخاصة ببعض الوسائل المستعملة في الكهانة والتنبؤ بالغيب ..
أما المجموعة الثالثة : فهي الرقى والتعاويذ التي كانت تستخدم لدرء شرور السحر الأسود وطرد الأرواح الخبيثة التي تحل بالأبدان , فتسبب لأصحابها الأضرار والأمراض , إذ كان الاعتقاد أن السبب في المرض يرجع بوجه عام إلى الشياطين والأرواح الخبيثة , ولإبراء الشخص من مرضه يجب طرد هذه الأرواح من البدن وقد كان أهل بابل يعتقدون أنّ الأرواح الخبيثة مسؤولة عن الكوارث التي تحلّ بالعالم من وقت لآخر كالزلازل والبراكين والعواصف والفياضانات المغرقة ,, ومن ثم كان من الضروري استخدام التعاويذ لمنع عبث هذه الأرواح بالنظام العام الذي يسير العالم على مقتضاه ,, وقد رتبت هذه التعاويذ في لوحات مختلفة لكل نوع منها أثره الخاص في ناحية من هذه النواحي .. وكان الكلدانيون يستعملون دماء الطيور بعد ذبحها في أعمالهم السحرية ,, ولذا كانوا يُعنون بأمرها ويطعمونها طعاما خاصا ولا يأكلونها أبدا ..والآن هل رأيت كيف أوقع السحر هؤلاء الأقوام في الضلال الكبير والشر المستطير ..
الـسـحـــــر عـنــــد أهــــل فــــارس
كان الفرس في بداية أمرهم على التوحيد ,, فلما استولى بعض ملوكهم على مدينة بابل أخذوا يتدينون بقتل السحرة ولم يزل هذا دينهم حتى حدثت فيهم المجوسية ,, ويذكر المؤرخون أنّ رستم قائد الفرس الكبير كان حزّاء ينظر في النجوم وقد اعتمد على النجوم في حكمه بظهور المسلمين وغلبتهم ,, وكان هذا أحد الأسباب التي دعته إلى تأخير ملاقاة المسلمين في معركة القادسية مدة طويلة نافت على أربعة أشهر .. ويذكر المؤرخون أنّ راية كسرى المسماة ( زركش كاويان ) كان منقوشا عليها بالذهب بمعرفة السحرة ووفقا لتعليماتهم الوفق المثيني العددي : وهو عبارة عن مربع مقسم إلى مائة خانة , يحوي كل ضلع من أضلاعها عشرة خانات . ويزعمون أنه إذا أمكن كتابة الأعداد من ( 1 ) إلى ( 100 ) في هذا المربع بأي ترتيب كان بحيث يكون أعداد كل ضلع من العشرة أضلاع الأفقية والرأسية منه تساوي تماما مجموع الأعداد المكون منها قطراه , بحيث لا يتكرر أي عدد مرتين . ونقش ذلك في لوح من الذهب عند دخول الشمس في برج الحوت أو القوس فإن حامل هذا اللوح يحقق معظم ما يتمناه .. في أوضاع فلكية خاصة ,, والغرض منها ضمان استمرار نصرة الفرس في جميع المواقع الحربية التي يشنونها على جيرانهم وأعدائهم .. وقد وجدت هذه الراية ممزقة في الموقعة التي قتل فيها رستم وانهزم فيها الفرس وتشتت فيها شملهم ,, وهي المعركة المعروفة بمعركة القادسية وكان الفرس يعتقدون أن الانتصارات التي حازوها عبر تاريخهم ترجع إلى تلك الراية ,, ولكن عندما جاء المسلمون يحملون دين الله في قلوبهم رافعين راية الحق بطل السحر واندفعت رآية الكفر ,, ولم يغن
No comments:
Post a Comment