هذا الانفكاك الأول بين الجسد والروح ثم تعود الروح مرة أخرى إلى الجسد وظاهر السنة أنها تعود أول ما تعود إلى الجسد محمول على أعناق الرجال ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الجنازة إذا حملت على أعناق الرجال تنادي إن كانت صالحة قدموني قدموني وإن كانت غير ذلك تقول يا ويلها أين يذهبون بي ) وهذا لا يكون إلا باتصال الجسد بالروح .
كما أنه يتم الانفصال بصورة أكبر فيما يبدو والعلم عند الله عندما يأتي الملكان ليسألا المقبور : ( من ربك ؟ ما دينك ؟ من نبيك ؟ ) فهذه الثلاثة التي هي أصول الدين عندما يسألها الميت يجيب عليها وقد اتصلت روحه بجسده , وهذا يدل عليه حديث البراء بن عازب رضي الله عنه ( أن الروح ترتفع فإن كانت صالحة تفتح لها أبواب السماء وإن كانت غير ذلك تغلق ) وعليه يحمل قول الله جل وعلا : (( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ )) الأعراف . نعوذ بالله من ذلك كله .
والمقصود أن الروح تعود إلى الجسد وأن الله جل وعلا يقول لملائكته فإني قد وعدتهم (( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى )) طه . فتعود الروح إلى الجسد حتى تكون قادرة على إجابة الملكين سواء وفقت للإجابة أم لم توفق عياذاً بالله .
نعود فنقول : ثم يقع على الروح والجسد على مذهب أهل السنة النعيم و العذاب .
هذا النعيم والعذاب نحن لا نعلم كنهه ولا يمكن لي ولا لغيري أن يصله لأننا لا نعلم عنه إلا بمقدار ما صح نقله عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم . وقد دل القرآن الكريم والسنة على وقوعه . والنبي عليه الصلاة والسلام لما كان في المدينة كان ذات يوم على بغلته فمر على حائط ـ أرض , بستان ـ عند الأنصار فالبغلة تحركت به عليه الصلاة والسلام حتى كادت أن تسقطه فقال صلى الله عليه وسلم لم حوله : ( أثمة قبور هاهنا ) قالوا : يا رسول الله أنها قبور خمس أو ست ـ وفي رواية أنها أربعة ـ لقوم ماتوا في زمن الإشراك فقال عليه الصلاة والسلام : ( لولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع ) .
وقوله عليه الصلاة والسلام : ( لولا أن تدافنوا ) فيه تربية عظيمة للأمة :
أن الإنسان لا يحسن به أن يطلع على عورات أخيه . لأنك لو اطلعت على أي إنسان نقبت كثيراً عنه قلبت عثراته بحثت عن أخطائه بكثرة سيصغر في عينيك , فإذا قدر أنك بُلغت بموته تكون في نفسك غضاضة في أنك تشارك في موته لأنه يغلب عليك سيطرة تلك الفكرة السيئة عن أخيك ولذلك الأفضل في أحوال الناس أن تبقى مستورة وحتى من علمنا عنه شيئاً من خطأ أو زلل أو وقوع فاحشة وما إلى ذلك لا يمنعنا ذلك من أن نشارك في دفنه والصلاة عليه ومواراته طلباً للأجر ورحمة بأخينا ما دام لم يخرجه ذنبه من الملة . ومحمد بن المنكدر رحمه الله أحد التابعين تبع جنازة رجل كان مدمن خمر فكأنه عوتب فقال رحمه الله قولة عالم فذ قال : " إني لأستحيي من الله أن أجد في نفسي أن رحمته جل وعلا ضاقت عن أحد " والله جل وعلا يقول عن رحمته : (( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ )) الأعراف . ثم نحن نطلب الأجر من الله نطلب القيراط والقيراطين في تتبعنا للجنائز والصلاة عليها بصرف النظر عن أحوال أصحابها وإنما نخشى على العاصي النار ونرجو للمؤمن الجنة ومرد الجميع إلى الله جل وعلا (( أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )) الزمر 46 .
No comments:
Post a Comment